أزمة كورونا وملف التدريب والتعلُّم.. قراءةٌ في حدود التأثير

تناول تقريرٌ صدر مؤخرًا عن معهد الإدارة العامة بسلطنة عمان تأثيرات أزمة فيروس كورونا المستجد «كوفيد – 19» على التدريب والتعلم، مستعرضًا بعض التجارب الإقليمية كنماذج استرشادية ناجحة للتكيُّف مع آثار الوباء.

وانطلق التقرير من التأكيد على أن التدريب والتعلم يُعَدَّانِ من الخدمات شديدة التأثُّر بجائحة كورونا، مما يستلزم تزايد الاعتماد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتغيُّر المهارات المطلوبة وضغط النفقات.

ولفت التقرير إلى تقديرات بخسارة المنطقة العربية 1.7 مليون وظيفة في العام الحالي فقط، مما يعني ارتفاع معدل البطالة بمقدار 1.2 % لتطول كل القطاعات وخاصة قطاع الخدمات، وسيترجم ذلك قطعًا إلى خسائرَ كبيرةٍ في الوظائف على المدى القصير والمتوسط والبعيد، ومن ثَمَّ خسائر في خدمات التدريب والتعلم والتطوير.

وتشير الملامح المستقبلية لملف التدريب والتعلم إلى الاعتماد بشكلٍ أساسيٍّ على المنصات الإلكترونية التدريبية والمحتوى الرقمي، خاصة مع استمرار تطبيق التباعُد الاجتماعي حتى نهاية 2022 ، واستمرار تأثير التداعيات الاقتصادية للأزمة على مخصصات التدريب والتطوير بالتقليص أو الإلغاء.

ومن المرجح إعادة النظر في الضوابط والمعايير الحالية الخاصة بالاعتراف بالتعليم والتدريب عن بُعدٍ كخيارٍ مستقبليٍّ، في ظل توقُّع تقرير «مرصد المستقبل» انطلاق حوار عالٍ أوسع انتشارًا للاعتراف بجدارة منصات التعليم والتعلم عبر الإنترنت، حيث يتوقع وصول حجم سوق تقنيات التعليم والتدريب الرقمية إلى 341 مليار دولار بحلول عام 2025 .

كما سيتم تشجيع التعلم الذاتي للخريجين والعاملين بالمنظمات، بالتزامُن مع إتاحة الإنتاج المعرفي من خلال تشجيع دور النشر والتأليف على إتاحة الدورات المعرفية من محاضراتٍ وبرامجَ تدريبيةٍ وكتبٍ ومراجعَ وأفلامٍ بشكلٍّ مجانيٍّ أو بسعرٍ رمزيٍّ للعامة في ضوء المسئولية المجتمعية والوطنية.

وفي ذات السياق، من المرجح تعزيزُ البنية التحتية المعلوماتية في مجال التدريب، من خلل إنشاء المنصات والتطبيقات الذكية والمحتوى الرقمي، وتحفيز العاملين للحصول على البرامج التدريبية من خلال تلك المنصات.

وأخيرًا، استعرض التقرير تجارِبَ إقليميةٍ رائدةٍ للتعلم والتدريب مثل منصة «إثرائي الإلكترونية», بالمملكة العربية السعودية، ضمن برنامج التحول الوطني لتحقيق رؤية 2020. وأيضًا منصة «بيبا زون» في البحرين ومنصة «إدلال» بسلطنة عمان، ومبادرات الهيئة الاتحادية للموارد البشرية بدولة الإمارات.

التعزيز الإيجابي.. علاجاً لعادات الموظفين السلبية

لا شك أنها معادلة صعبة، تلك التي حاول (أوبري دانيلز) معالجتها، خلال البحث عن أنجع الطرق لتغيير عادات الموظفين، واستثمار إمكاناتهم ومواهبهم، إذ إن اللجوء إلى المكافآت، يؤدي إلى تضخّم النفقات، وتطلّع الموظفين إلى المزيد منها، بينما يؤدي فرضُ العقوبات إلى انخفاض الروح المعنوية، ومن ثم التأثير السلبي على العمل والإنجاز المنتظر.

ويقول دانيلز -وهو معالج نفسي وخبير إداري- في كتابه (إخراج أفضل ما في الناس)، إن المصدر الحقيقي للمشكلات في بيئة العمل، تتلخّص في أن «كلّ موظّف لا يؤدي ما هو مطلوب منه بالشكل المتوقع».

ويَنقل عن بعض علماء السلوك، تقريرَهم أن هذه المعضلة تعود إلى أحد سببين، الأول منهما متعلّق بـ»الجِبلّة» التي درج عليها بعض الموظفين، وبيئة الكسل والإهمال التي نشؤوا فيها، بينما يرتبط السبب الثاني بأغوار العقل الباطن.

لكن دانيلز يَعتقد أن المسألة أبسط من ذلك، وأن العادات السلبية في الموظفين، لا يعدو أن يكون الزمنُ سببَ تمكّنها منهم، بالتالي فإن الإيجابي في الأمر، أنّ قوة التعلّم عند الإنسان -وهي قوة داخلية- تُواجِه قوةَ الماضي لديه -وهي قوة خارجية-، وكلّ ما يتطلّبه التعلّم لتعزيز قوته لدى الموظّفين، هو التعزيز الإيجابي، الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى أن تصبح العادات الإيجابيةُ عاداتٍ تلقائية، بعد أن تكون المكافآتُ دافعَها في بداية الأمر، ما يعني «تأصيل» هذه العادات في نفوس الموظفين، في إطار مبادئَ تَحْكُمُ عملية التعزيز الإيجابي.

أما التعامل مع العادات السلبية، فيقتضي معالجة حكيمة، وصولاً إلى ذبول تلك العادات لدى الشخص، وهو ذبول يمرّ بمراحل انفعالية تؤشّر إلى اضمحلالها شيئاً فشيئاً، إذا لم تُستَثَمر بطريقةٍ أو بأخرى، وتؤدي إلى آثار جانبية خطيرة.

أما الوسائل التقليدية للتعامل مع العادات السلبية، فتتضمّن: الشجب والعقاب والغرامة.

وهي وسائل لا تخلو من مساوئ، إذا لم تترافق وتتوازى مع التحفيز الإيجابي لعاداتٍ إيجابية، وهو هدف لا يعني بالضرورة مكافأة تُمنَح للموظّف المستحقّ، بل تتعلّق بما ستشكّله من فارِق إيجابي على عمله بعد المكافأة والتقدير.

بناءً على ما سبق.. يبقى التعزيز الإيجابيُّ الأسلوبَ الوحيد الذي لا سلبيات له تَستعصي على المعالجة، مع ملاحظة أن التعزيز الإيجابي يمكن أن يُعزّز عادةً سلبية، كما ينجح في تعزيز أخرى إيجابية!.

يتعيّن تفهّم الجانب الشخصي للموظّف المراد تعزيز عاداته الإيجابية، خاصة ما يرتبط بحياته العملية، لتحديد وسيلة التعزيز الملائمة، لكنّ ممارسة التعزيز الإيجابي قد لا تخلو من أخطاء إدراكية أو توقيتية، أو تتعلّق بالأولويات أو الانقطاع.

أخيراً.. هناك ثلاث خطوات لتغيير العادات السلبية، هي:

1- تحديد الإجراءات والسلوكيات المراد تغييرها.

2- قياس ما يتمّ إنجازه من تغيير إيجابي.

3- تحويل النتائج الإيجابية المتحققة إلى تغذية مرتدّة.

يُقرّر دانيلز في نهاية دراسته، أن التعزيز الإيجابي عندما يبدأ، لا يتوقّف.. فالموظّفون الذين يتلقّونه يُشجِّعون المديرين على مَنْحِه لزملائهم، كما أنه -أيّ التعزيز الإيجابي- قويّ ومُعْدٍ وفعّال، فإذا مارسه 5 % من العاملين، فإن تغيير السلوك السلبي سيشمل كلّ الموظفين، وهو ما سينعكس إيجاباً على منظومة وإنجازات العمل.

إدارة المؤسسات في ظل الأزمات الاقتصادية

تحت عنوان «القيادة في زمن الاضطراب: قواعد جديدة للعبة الإدارية في أصعب الظروف الاقتصادية»، يقدم أستاذ القيادة والإدارة في جامعة هارفارد الأمريكية، الدكتور رام شاران، نصائح لرجال الأعمال والمديرين حول كيفية قيادة دفة مؤسساتهم إلى بر الأمان في ظل الأوضاع الاقتصادية بالغة الصعوبة، التي باتت تتطلب نمطًا إداريًّا، يختلف جذريًّا عن عهود الاستقرار، ويتسم بمرونة استراتيجية وهيكلية ومالية.

ويوضح الكاتب أن الأمر لن يقتصر على قدرة تلك المؤسسات على للحفاظ على بقائها، ولكن أيضًا قدرة المديرين ومخططي الاستراتيجيات ومنفذيها، على تحويل التحديات إلى فرص. مشيرًا إلى أن أول خطوة على هذا الطريق تتمثل في التحرك السريع الحاسم استعدادًا لمواجهة أسوأ سيناريو متوقع، وتجنُّب النزعة التفاؤلية المفرطة التي تدفع إلى التراخي والتردد في اتخاذ القرارات.

ويؤكد الكاتب ضرورة أن يحول المديرون تركيزهم من حساب الأرباح والخسائر إلى السيولة الحالية والمستقبلية التي ستتوافر لشركاتهم؛ إذ تعد التدفقات النقدية التحدي الأهم الذي تواجهه معظم الشركات؛ لتتمكن من الصمود طيلة فترة الأزمة الاقتصادية العالمية.

ويشير الكاتب أيضًا إلى أن الاستمرار في السوق يتطلب تخفيض النفقات. ورغم كونها خطوة مؤلمة إلا أنه يمكن تحويلها إلى عامل إيجابي عبر انتقاء بنود تخفيض النفقات الصحيحة؛ فيتم الابتعاد عن الأصول الثابتة التي لا تقدر بثمن، ولا مجال للتفريط فيها، وتمثِّل قلب النشاط التجاري للمؤسسة.

ويشدد الكاتب على أهمية قيام المديرين بإجراء تغييرات جذرية في أساليب المتابعة اليومية للعمل؛ لأن إحراز النجاح في ظل مناخ اقتصادي متقلب يتطلب مواصلة إجراء تعديلات من وقت لآخر في الصفقات التجارية وعروض المبيعات. مشيرًا إلى أن تلك الظروف تتطلب ما يسمى بالإدارة المركزة أو المكثفة، بمعنى الانخراط الشديد في تفاصيل الأنشطة التجارية الخاصة بمؤسستك، مع الوجود الفعلي والمتابعة المستمرة عن كثب.

ويشير الكاتب إلى عدد من السمات التي تتوافر في شخصية المدير الكفء، والقادر على مواجهة تحديات الاقتصاد، ومن أبرزها الأمانة والمصداقية، والقدرة على بث الأمل في النفوس، والمزاوجة بين النزعة التفاؤلية والنزعة الواقعية، والإدارة القوية والمركزة، وجرأة الإعداد للمستقبل.

إدارة المواهب.. ومهامّ الجيل الثالث

مَن قال إنّ الموهوب محظوظ -بالضرورة- في المجال الوظيفي؟..

تَكشف نتائجُ استطلاع آراءِ عيّنةٍ من المديرين، أن 80 % منهم لا يهتمّون بإدارة المواهب في شركاتهم، وتوزّعت هذه النسبة بين 30 % يُقْصُون المواهب، و50 % لا يكترثون بها.

ليس غريباً -في ضوء هذه النتيجة- أن تتفشّى هجرة المواهب والأدمغة أو العقول، لتلتحق بشركاتٍ تَبرع في استقطابها، وتحقّق لنفسها بهذا ميزاتٍ تنافسيةً عالية.

في كتابهم (حرب المواهب)، يحدّد المؤلّفون مايكلز -فيلد- اكسلرود، ثمانية إجراءات تمثّل أساليبَ عمليةً لإدارة المواهب، تتضمّن إجراء مقارنة مرجعية لقياس ومقارنة المواهب التي تمتلكها الشركة بما يمتلكه المنافسون، والاحتفاء بالمواهب بالطريقة التي تجعل الموهوبَ قدوةً لزملائه، ووضع معايير تُقاس بها المواهب، وتعيين وترقية ومكافأة الموهوبين، وتطعيم الشركة بمزيد من المواهب، فضلاً عن ربط إستراتيجية الشركة بنوع وطبيعة المواهب المتوفّرة لديها.

كما يَبني الكتابُ مستويات إدارة المواهب، وَفق ثلاثة أجيالٍ للمديرين، فبينما اكتفى الجيلُ الأول بتعيين الموظفين، والقيام بمهامّ إدارة الأفراد، زاد الجيل الثاني من المديرين على ذلك، مهمة تدريب الموظفين، فيما تركّزت مهامّ الجيل الثالث على بناء رأس المال البشري للشركات، وإعادة تصميم الثقافة التنظيمية للشركة، واستقطاب المواهب إليها.

ولا يُغفِل الكتابُ أهمية تقديم «مزيج تعويضي» للمواهب الوظيفية في الشركة، للحفاظ عليها من التسرّب إلى الشركات المنافسة، تماماً كما تهتم الشركات بتقديم «مزيج تسويقي» لعملائها وزبائنها.

وتَشمل عناصر «المزيج التعويضي»: المعاملة المميّزة، والتكليف بأعمال استثنائية، وإتاحة الفرص لتطوير المهارات والخبرات، ومنح المزيد من المرونة والاستقلالية، وتقديم تسهيلات أكبر مما يُقدِّم المنافسون.

ويُقدِّم مؤلّفو الكتاب نصائحَ لاختيارٍ صحيح للموهوبين، من بينها أنْ تَختار مَن ليس على شاكلتك، بل مَن قد لا تشعر بالراحة معهم، ومَن يُفضّلون العملَ طبقاً لأسلوبهم الشخصي، لا أسلوب العمل المستقرّ بالشركة، فضلاً عن المدافعين بقوّة عن آرائهم، والمعترفين بأخطائهم بسهولة.

يُعتقد أن الصراع على المواهب سيتنامى بشكل أكبر في المستقبل، وبالتالي سَتُعنَى الشركات بتعزيز دوافع استمرار الموهوبين، وتقليص دوافع رحيلهم.

القيادة في زمن الاضطراب.. 6 سمات للمدير الكفء

في ظِلّ الأزمات التي تُلقِي بظلالها على الوضع الاقتصادي، سواءً أكان على مستوى الوطن أو القطاعات أو المؤسسات، كما هو الحال اليوم مع أزمة فيروس كورونا المستجدّ العالمية، والتي أجبرت الدول على اتخاذ قرارات وإجراءات وتدابير، تمسّ حركة الاقتصاد، وتحدّ من نموّه.

‎في ظلّ ذلك.. يَتحتّم على رجال الأعمال والقياديين والمديرين التنفيذيين، العملُ على إيجاد معالجاتٍ مالية وإدارية تَحمي السيولة النقدية للشركات والمؤسسات، وتُنفق منها بطريقة فعَّالة، مع تَقَصّي الحقائق، كي تستطيع الصمودَ والنجاة بعد انقشاع الأزمة، ومع أهمية فهم احتياجات العملاء، ‎وتقلِيص التكاليف بأسلوب إستراتيجي وذكي. ولمواجهة تحدّيات الاقتصاد المسموم، ينبغي على شخصية المدير الكفء، ‎أن تَتميّز بـ6 سِماتٍ قيادية، وهي:

1‎- الأمانة والمصداقية

‎إن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق، هو المصداقية والتواضع في التواصل مع الموظفين، حيث تَنبع سلطتُكَ من القدرة على التواصل مع موظفيك، وطرح الحلول الملائمة.

2‎- القدرة على بَثّ الأمل الفرديّ في النفوس

‎تَزداد الحاجة إلى هذه السمة في الوقت الحالي، إذ أضحى أغلبُ الناس فريسةً للقلق الشديد، فبعد أن فاجأت أزمة كورونا الاقتصاد، ودَمّرت المُدَّخَرات التي تَكبّد الناسُ مَشقّةَ جَمْعِها وهَدّدت وظائفهم، تزعزعت ثقتهم في كلّ ما يسمعونه أو يرونه أو يقرءونه.

3- العودة إلى أرض الواقع

‎في ظِلّ عدم استقرار الاقتصاد، يُصبح الواقع هدفاً متحركاً ومتغيّراً، لذا ينبغي على المدير التنفيذي مواصلةُ تحديث معلوماته حول الاقتصاد، ومراقبة تقلّباته الحالية والمتوقّعة، من خلال تقصّي الأوضاع ميدانياً.

‎4 – المزاوجة بين النظرتين التفاؤلية والواقعية

‎لا يُقصد بالواقعية الإفراط في التشاؤم، بدلاً من الإفراط في التفاؤل، إنما هي إدراك وتقبّل خطورة المشكلة الحقيقية لتتمكّن من معالجتها، فقد تواجه بضع مشكلات لا سَبِيل لِحَلّها، حَاوِلْ أنتَ كمدير تنفيذي وفريقك، تَصَورَ الحلول ‎الممكنة، وشَجعْهُم على إيجاد السبُل لتنفيذها.

5 – إدارة قوية ومركّزة

‎يتطلب الوضع الراهن السيطرة على كافة التفاصيل، وعلى المديرين التنفيذيين الوقوف على دقائق الأمور، وزيادة مُعدّل المتابعة عن أي وقت مضى، وذلك من خلال مناقشة المعلومات المتاحة مع أعضاء الفريق، وإشراكهم في اتخاذ القرار، مع التنفيذ بالسرعة التي تُواكِب مناخاً متقلّباً كالذي نعيشه.

‎6 – جرأة الإعداد للمستقبل

‎إن مقاومة ضغوطِ متطلبات الاحتفاظ بالسيولة، بُغيةَ تَخطّي الأزمة، قد تُنسِي التخطيطَ المستقبلي، الذي يَحتاج إلى شجاعةٍ كبيرة، للمراهنة على إستراتيجيةٍ جديدة وغير مضمونة النتائج، خاصة في ظِلّ أزمة السيولة ‎الخانقة، وعدم التثبّت من صحة الفروض التي بُنِيَت عليها الخطط.

بيئة العمل بعد وباء كورونا.. رؤية استشرافية للمستقبل

رصد تقرير حديث صادر عن معهد الإدارة العامة بسلطنة عمان، الملامح المستقبلية لبيئة العمل بعد أزمة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، لا سيما في ظل التوقعات بإلغاء 6.7 في المائة من إجمالي ساعات العمل في العالم خلال النصف الثاني من العام الجاري، وهو ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل.

علماً بأن القطاعات الأكثر عرضةً للخطر هي خدمات الإقامة والطعام والسفر والصناعات التحويلية وتجارة التجزئة وأنشطة الأعمال والأنشطة الإدارية.

ويرجح التقرير أن تتجه المنظمات بسرعة إلى استخدام منصات العمل المشترك مثل منصة «Trello» أو «Slack» وغيرهما من المنصات التي تضمن تواصلاً فعالاً وسريعاً، مع تقبُّل القادة فكرة أنهم لا يملكون الأفكار الناجحة دائماًـ، لذا سيتوجه تركيزهم نحو خلق بيئة عمل تسمح للأفكار بالظهور باستمرار.

وستؤدي التقنيات الرقمية إلى طمس حدود الشركات، كما سيكون المستقبل للذكاء الاصطناعي وإحلال الروبوتات مكان البشر, مما يستدعي إنشاء وزارات أو هيئات للذكاء الاصطناعي مع تخصيص ميزانيات ضخمة لها، إلى جانب النظر في مدى ملاءمة القوانين الحالية وأنظمة السلطة الإدارية لتطورات الذكاء الاصطناعي.

وعلى صعيد الأصول المؤسسية، ستوجب سياسات ترشيد الإنفاق التي تنتهجها الحكومات التخلي عن المباني التي تقوم بتأجيرها الجهات الحكومية, وتوجيه تلك الجهات إلى بناء شراكة مع القطاع الخاص لاستثمار أصولها، ويسهم هذا التحول نحو توجيه الاستثمار إلى التطوير المؤسسي.

من جهة أخرى، من المتوقع أن تحظى الموضوعات المرتبطة بإدارة المخاطر الإنسانية، ومنها نظافة بيئة العمل, والصحة العامة والتباعد الاجتماعي والصحي بمقرات العمل باهتمام كبير, فضلاً عن تعزيز التشريعات المرتبطة بتلك الأبعاد.

وعلى صعيد الهيكل التنظيمي، من المرجح تقليص وظائف الإدارة الوسطى، ونقل مهامها إلى الوظائف القيادية والتنفيذية، كما أن التكليفات في العمل ستكون واضحةً ومحددةً وبسيطة وعمليات المتابعة والرقابة أفضل.

ومن المتوقع كذلك أن تقوى العلاقات الشخصية بين العاملين لبُعدهم فترات عن بعض ولعملهم من المنزل أو لقلة لقائهم الشخصي، وستكون المرونة والسرعة هي كلمة السر في بيئات العمل, بحيث سيتم الاستفادة من الأجيال المتنوعة والاستعداد للتعامل مع المزيد من الموظفين المستقلين, وجعل مكان العمل أكثر نشاطاً.

ملف التدريب والتعلُّم.. قراءةٌ في حدود التأثير

تناول تقريرٌ صدر مؤخرًا عن معهد الإدارة العامة بسلطنة عمان تأثيرات أزمة فيروس كورونا المستجد «كوفيد – 19» على التدريب والتعلم، مستعرضًا بعض التجارب الإقليمية كنماذج استرشادية ناجحة للتكيُّف مع آثار الوباء.

وانطلق التقرير من التأكيد على أن التدريب والتعلم يُعَدَّان من الخدمات شديدة التأثُّر بجائحة كورونا، مما يستلزم تزايد الاعتماد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتغيُّر المهارات المطلوبة وضغط النفقات.

ولفت التقرير إلى تقديرات بخسارة المنطقة العربية 1.7 مليون وظيفةٍ في العام الحالي فقط، مما يعني ارتفاع معدل البطالة بمقدار 1.2 % لتطول كل القطاعات وخاصة قطاع الخدمات، وسيترجم ذلك قطعًا إلى خسائرَ كبيرة في الوظائف على المدى القصير والمتوسط والبعيد، ومن ثَمَّ خسائر في خدمات التدريب والتعلم والتطوير.

وتشير الملامح المستقبلية لملف التدريب والتعلم إلى الاعتماد بشكلٍ أساسيٍّ على المنصات الإلكترونية التدريبية والمحتوى الرقمي، خاصة مع استمرار تطبيق التباعُد الاجتماعي حتى نهاية 2022، واستمرار تأثير التداعيات الاقتصادية للأزمة في مخصصات التدريب والتطوير بالتقليص أو الإلغاء.

ومن المرجح إعادة النظر في الضوابط والمعايير الحالية الخاصة بالاعتراف بالتعليم والتدريب عن بُعدٍ كخيارٍ مستقبليٍّ، في ظل توقُّع تقرير «مرصد المستقبل» انطلاق حوار عالٍ أوسع انتشارًا للاعتراف بجدارة منصات التعليم والتعلم عبر الإنترنت، حيث يتوقع وصول حجم سوق تقنيات التعليم والتدريب الرقمية إلى 341 مليار دولار بحلول عام 2025م.

كما سيتم تشجيع التعلم الذاتي للخريجين والعاملين بالمنظمات، بالتزامُن مع إتاحة الإنتاج المعرفي من خلل تشجيع دور النشر والتأليف على إتاحة الدورات المعرفية من محاضراتٍ وبرامجَ تدريبيةٍ وكتبٍ ومراجعَ وأفلامٍ بشكلٍّ مجانيٍّ أو بسعرٍ رمزيٍّ للعامة في ضوء المسؤولية المجتمعية والوطنية.

وفي ذات السياق، من المرجح تعزيزُ البنية التحتية المعلوماتية في مجال التدريب، من خلل إنشاء المنصات والتطبيقات الذكية والمحتوى الرقمي، وتحفيز العاملين للحصول على البرامج التدريبية من خلال تلك المنصات.

وأخيرًا، استعرض التقرير تجارِبَ إقليميةٍ رائدةٍ للتعلم والتدريب مثل منصة «إثرائي الإلكترونية», بالمملكة العربية السعودية، ضمن برنامج التحول الوطني لتحقيق رؤية 2030 . وأيضًا منصة «بيبا زون» في البحرين ومنصة «إدلال» بسلطنة عمان، ومبادرات الهيئة الاتحادية للموارد البشرية بدولة الإمارات.

جدلية أفضلية المهارات على الشهادات العلمية في التوظيف

لم تكن أولوية المهارات في التوظيف بالشركات والمؤسسات بدلاً من الشهادات العلمية، شيئاً مستحدثاً، بدأ بالأمر التنفيذي الذي وجهه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفروع حكومته الفيدرالية، الجمعة 26 مايو من هذا العام، والقاضي بالتركيز على المهارات بدلاً من الشهادات الجامعية في اختيار الموظفين، ولكنها عبارة عن جدلية قديمة متجددة ظل ينادي بها كثير من المسؤولين وصناع القرار ورجال الأعمال في العالم منذ فترة ليست بالقصيرة.

وقد استبق كثير من المؤسسات والشركات بروتوكول ترامب باعتماد المهارات والخبرات في الوظائف بدلاً من الشهادات العلمية التي يحملها خريجو الجامعات والمعاهد العليا، وذلك بمنطق أن عددًا من المشاهير الذين بهروا العالم بابتكاراتهم وإشراقاتهم لم يكونوا من حملة الشهادات العملية، ولكنهم أشخاص عصاميون تفوقوا بمهاراتهم في مجالات عصية على الحصر لا سيما في المجال التقني وما يتصل به من تطورات في أوجه الحياة المختلفة، وذكرت منصة هوامير البورصة السعودية أن هناك عمالقة كثيرين حول العالم متميزين وهم بلا شهادات، مستشهدة بعدد من الشركات الكبرى في العالم التي أعلنت في، الأشهر القليلة الماضية، أن العمل لديها لم يعد يتطلب بالضرورة الحصول على شهادة جامعية مثل «آبل» و»جوجل» و»آي.بي.إم» خصوصاً في المناصب التقنية والإدارية، وأضافت المنصة أن هناك قائمة شملت أكبر 15 شركة في أمريكا غيرت سياساتها التوظيفية باعتماد المهارات وتفضيلها على الشهادات العلمية بل اعتمدت شركة برايس ووتر هاوس كوبر على خريجي المدارس الثانوية في مجال المحاسبة والتحليل المالي وتقييم المخاطر، بعد تلقيهم الدورات التدريبية المناسبة وإثبات كفاءاتهم.

ومع ذلك أرى أن التغيير في النظرة للتوظيف بإحلال المهارات محل الشهادات، لا يمكن تطبيقه في الشرق الأوسط عمومًا والمملكة العربية السعودية بشكل خاص، وذلك لعدة أسباب منطقية، منها أن بلدان العالم الأول مثل أمريكا هي دول منتجة للتكنولوجيا الحديثة وتسعى إلى رقمنة الحياة بشكل مذهل وتمتلك القدرة في تنمية المهارات والقدرات البشرية وتطويرها بما يتماشى وسرعة إيقاعها ونموها في المجالات المختلفة.

أما دول الشرق الأوسط فتعد دولاً مستهلكة للتكنولوجيا، ولم تبدأ بعد طور الابتكارات الرقمية التي تؤهل ذوي المهارات إلى الطموح المنشود، ولم تزل الحوجة ماسة في بلادنا إلى الكوادر والطاقات البشرية من حملة الشهادات العلمية والمتخصصين في المجالات المختلفة، كما أرى أن هناك تكاملاً وليس تعارض بين المهارات والشهادات العلمية التي نال حاملوها قدراً كبيراً من الدراسات النظرية وصقلتهم التجارب وتراكمت خبراتهم كل في مجاله.

ومع تسليمنا بالتوجه العام في الدول المتقدمة إلى رقمنة الحياة وتقديم المهارات وإعطائها أولوية على الشهادات العلمية، إلا أن ذلك أراه شبه مستحيل في الوقت الراهن لدواعي اقتصادية وثقافية واجتماعية، حيث إننا مجتمع تتجذر فيه ثقافة الوجاهة العلمية والاجتماعية والاقتصادية، فمن الصعوبة بمكان، إحداث تغيير وتحول نحو رقمنة الحياة واعتماد المهارات بدل الشهادات بضربة لازم في وقتنا الحاضر والمستقبل القريب…

عبود بن علي ال زاحم

التطوّع برؤية جديدة

تهتم المملكة العربية السعودية كغيرها من دول العالم بنشر ثقافة التطوع بين فئاتها المختلفة، وهي تحتفي كل عام باليوم العالمي للتطوع، لتأكيد أهمية العمل التطوعي كقيمة إنسانية خالصة يتحقق معها العديد من المزايا المجتمعية والتنموية من خلال صناعة تطوع متميز ومؤسسي، يعمل بشكل منتظم ومنتج، وبفاعلية أكثر.

وقبل أن يكون التطوع قيمة مجتمعية تُحتفى بها في 17 ديسمبر 1985، فقد حثنا ديننا الحنيف على التطوع في كل مناحي الحياة، والرفع من شأنه، وغرسه في نفوس الناشئة منذ الصغر، وكذلك جعله جزءاً من التربية المدرسية، وعملاً ممارساً في القطاعات غير الربحية التي تتبنى العمل الخيري بشتى ضروبه.

وبرنامج التحول الوطني في المملكة سعى إلى تعزيز التنمية المجتمعية وتطوير القطاع غير الربحي ضمن خططه، من خلال تشجيع العمل التطوعي، ودعم نمو القطاع غير الربحي، ونجح في تحفيز السعوديين لممارسة مفهوم جديد يقوم على تعزيز التنمية المجتمعية، ونشر ثقافة العمل التطوعي، وإتاحة الفرص أمام الراغبين، وبرز ذلك بوضوح أثناء جائحة كورونا، حيث انخرط أبناء وبنات الوطن في مشروعات المكافحة وخدمة المجتمع.

للعمل التطوعي فوائد عدة للفرد والمجتمع، فهو محفز لزيادة التكاتف بين أفراد المجتمع، ويقوي العلاقات الإنسانيّة، فضلاً عن النفع الكبير الذي يعود على الفرد الواحد، ومنها تحسين الصحة الجسدية، والذهنية، ومحاربة الأمراض النفسية.

وجهود الحكومة السعودية بارزة في هذا المجال من خلال تنظيم عملية التطوع في جميع مناطق المملكة تحقيقاً لرؤية 2030 التي تطمح للوصول إلى مليون متطوع، وتطوير الأنظمة والتشريعات التي تدعم المشاركة التطوعية، وتبني أحدث الطرق وأفضل الممارسات الدولية الداعمة لتحفيز المشاركة المجتمعية، اعترافاً بدور المتطوعين في تنمية مجتمعاتهم.

وحتى يحقق العمل التطوعي أسمى أهدافه، ينبغي التوجه نحو استثمار الموارد البشرية المتاحة، وأكثرها فعالية، للنهوض بالمجتمع بكافة مجالاته، وخير شريحة ممكن أن تسهم في نجاح العمل التطوعي، وتعطي فيه باندفاع، وحماس، بل وتصل به إلى حد الإبداع، والتميز هي فئة الشباب. والمملكة تتميز بتركيب سكاني فتي، مما يستوجب تخطيط وإعداد البرامج والمشروعات الاقتصادية، والاجتماعية التي تستثمر هذا المورد البشري الفتي لتحقيق أهداف الرؤية الطموحة

دليل عملي للقضاء على الخوف في بيئة العمل

«ظاهرة الخوف تربة صالحة لنموِّ كل المشكلات المعقدة في بيئة العمل»، تلخِّص تلك العبارة الموجزة القاعدة التي انطلق منها كل من رومان هيبنج وسكوت كوبر في كتابهما المعنون «إبعاد شبح الخوف عن بيئة العمل».

ويوضح الكتاب أن تأصُّل الخوف داخل المؤسسة يستتبعه بالضرورة تنامي الآثار السلبية التي لا تقتصر تبعاتها على نفوس العاملين وطباعهم الشخصية فحسب، بل تؤثر في تحقيق الأهداف العليا للمؤسسة.

واستعرض الكتاب أبرز هذه الآثار السلبية، وفي مقدمتها الشعور السلبي تجاه المؤسسة والتفكير في تَرْكِها والعمل في مؤسسة منافسة، وكذلك الأمراض العضوية والشعور السلبي تجاه الذات، حيث يفقد الأفراد احترامهم لأنفسهم ويخيِّم عليهم الغضب والإحباط والاكتئاب والتوتر وخيبة الأمل، وأيضًا التأثير السلبي على جودة العمل ونوعيته.

وفي معرض تشريح تلك الظاهرة، رَصَدَ الكتاب أربعة أنواع من السلوك تؤدي إلى تنمية الخوف، تمثلت في السلوك الاستفزازي والتعسفي للمديرين، والسلوك الغامض لهم، وسوء نظم التوظيف، حيث عدم الاختيار السليم للأفراد وغياب العدالة في التعامل معهم، وأخيرًا سلوك الإدارة العليا حينما تفقد القدرة على اتخاذ القرارات وتعمل على تغليب الأهواء الشخصية.

أمَّا عن العوامل التي تدعم ثقة الأفراد في بيئة العمل، فيشير الكتاب إلى أهمية إعطاء العاملين حقهم بدلا من اللوم، وتحمل المسؤولية بدلا من افتعال الأعذار، ومشاركة المعلومات بدلا من حجبها، وكذلك تعاون الأفراد في إيجاد الحلول للقضايا المهمة، واحترام الهيكل التنظيمي وتجنب استخدام السلطة كسلاح ضد الآخرين.

ويقدم الكتاب ما يمكن وصفه بـ «الروشتة» الخاصة بعلاج تلك الأمراض الناجمة عن انتشار الخوف في بيئة العمل، والتي يمكن تلخيصها تحت عنوان عام هو «غرس الثقة»، مستفيضًا في عرض استراتيجيات تحقُّق ذلك الهدف.

ومن أبرز تلك الاستراتيجيات بناء علاقات جديدة بدون خوف، والاعتراف بوجود الخوف ووضع خطة للقضاء عليه، وفحص السلوك والعلاقات وتوجيهها بما يخدم الأهداف، والبحث عن النقد وتشجيعه وتجنُّب السلوكيات الغامضة.

كما تشمل أيضًا مناقشة كل الموضوعات بصدر رحب، ورغبة صادقة في تنمية علاقات العمل على أسس من الثقة المتبادلة، وأخيرًا المشاركة في اتخاذ القرارات ومواجهة أسباب التفكير السلبي.

عبود بن علي ال زاحم